الديمقراطية والحريات.. أحلام باهظة الثمن تعثرت خطاها بعد الثورات العربية

الديمقراطية والحريات.. أحلام باهظة الثمن تعثرت خطاها بعد الثورات العربية

بعواصف من التحولات السياسية الناعمة والخشنة، شهد مؤشر الديمقراطية والحريات صعودا وهبوطا مكوكيا في العديد من الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية في عام 2011.

ومع مرور 13 عاما على ثورات الربيع العربي، تأرجحت الحرية والديمقراطية بين غياب تام وحضور متقطع في 4 دول عربية مرت بتلك الأحداث الفارقة وهي اليمن وسوريا وتونس ومصر. 

وترتبط الحرية والديمقراطية بعلاقة جدلية، ما يجعل كل منها تؤثر في الأخرى وتتأثر بها بصورة مستمرة، إذ فيما تشكل الحرية أهم عناصر الديمقراطية، تشكل الديمقراطية الإطار الذي يحتوي الحرية في داخله ويحميها ويوفر لها فرص النمو والتطور.

كما أن للحرية أشكالا متعددة وأوجها مختلفة، فإن للديمقراطية نماذج عدة تختلف من بلد لآخر ومن نظام سياسي لآخر، ومن زمن لآخر، ولذلك من الصعب أن تتوفر الحرية بصورها المتعددة في مجتمع إلا ضمن نطاق حكم ديمقراطي، ومن الأصعب إقامة نظام حكم ديمقراطي تغيب عنه الحرية.

اليمن 

أفقدت الحرب اليمنية منذ اندلاعها قبل نحو 10 سنوات أكثر من 377 ألف شخص حياتهم، وشهد اليمنيون طيفا واسعا من الانتهاكات بدءا من انتهاك الحق في الحياة والأمن الشخصي كالقتل، وأيضا الاعتداءات المتكررة على المدنيين.

واستمرت الانتهاكات للحقوق السياسية والمدنية من خلال فرض القيود على حرية التعبير والصحافة واعتقال الصحفيين، حيث صنف اليمن منذ عام 2014 كواحد من أسوأ البلدان في انتهاك حقوق الرأي والتعبير والحريات السياسية.  

يأتي ذلك إضافة إلى الانتهاكات والاعتداءات المستمرة التي تطول النساء، والقيود المفروضة على تنقلاتهن وحرياتهن المدنية، علاوة على تعرض غالبية النساء النازحات إلى تحديات في الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية وغيرها. 

وتستمر حرب اليمن في انتهاك سلسلة واسعة من الحقوق الأساسية للمدنيين، لا تقتصر على استهداف الفضاء المدني والأقليات الدينية وفرض القيود على منظمات المجتمع المدني، بل تمتد إلى استهداف المنشآت الصحية والتعليمية، وقطع الطرق الحيوية وعرقلة تنقل المواطنين والمواد الغذائية، إضافة إلى حظر المساعدات الإنسانية.

ورصدت تقارير دولية، انتشار ظاهرة التجنيد الإجباري للأطفال، والذي يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، ويعرض الأطفال للخطر والضرر النفسي والجسدي.

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، شهد اليمن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان قد ترقى إلى جرائم حرب، كما لا يزال الجناة آمنين من العقاب بعيدا عن أيدي العدالة، بل تسعى الأطراف إلى تعطيل كل آليات المسائلة والمحاسبة لمرتكبي هذه الجرائم والانتهاكات، وكان آخرها إيقاف عمل الآليات الدولية والمتمثلة برفض تجديد ولاية فريق الخبراء البارزين إلى اليمن.

سوريا 

خرجت انتفاضة السوريين ضد نظام الاستبداد والفساد، للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لكن الانتقال إلى العسكرة وسيطرة المجموعات الإرهابية عليها حال دون نجاحها أو تحقيق أهدافها.

وكانت الديمقراطية والحرية من أهم مطالب المظاهرات الشعبية العارمة التي انطلقت عام 2011، ومع ذلك لم تتحقق أي تجربة ديمقراطية في البلاد بعد مضى 13 عاما.

وسقط في المظاهرات وما تبعها من أحداث ومعارك مسلحة مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين نزوحا في الداخل السوري ولجوءاً في مختلف بقاع العالم، وتحولت سوريا إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.

وقالت الأمم المتحدة، إن السوريين عانوا على مدى الأعوام الـ13 الماضية من عدد لا يحصى من انتهاكات حقوق الإنسان وتحديات أخرى نجمت عن النزاع والأوبئة وجائحة كورونا والزلزال المدمر مؤخرا.

وأضافت أن 7 من بين كل 10 سوريين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في الوقت الراهن، أي ما يتجاوز 15 مليون شخص، في معاناة هائلة للسكان المدنيين الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ويظل انعدام الأمن الغذائي مرتفعا للغاية في جميع أنحاء سوريا، إذ صُنفت البلاد على أنها من بين أكثر 10 دول تعاني من انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم في عام 2022.

وفي ظل هذه التحديات الجسيمة، تراجع مستوى الحريات والديمقراطية في سوريا، وتنامت العمليات العسكرية واستخدام القمع المسلح تجاه السكان المدنيين في أنحاء متفرقة، لا سيما شمال شرقي البلاد.

تونس

بعد أن كانت أيقونة الثورات العربية، والبلد الوحيد الذي صنع تحولًا ديمقراطيًا حقيقيًّا، شهدت تونس انتكاسة وتراجعا في حالة الحقوق والحريات والديمقراطية من أكثر من عامين.

ومرت الذكرى الـ13 على الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في تونس دون بهجة أو صدى، باستثناء مظاهرة محدودة بالعاصمة نددت بتدهور الأوضاع الاقتصادية وتراجع الحريات في البلاد وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وفي يوليو 2021، اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد في إجراءات استثنائية، بينها حل مجلسي القضاء والنواب وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإقالة الحكومة وإقرار دستور جديد، ما أدى إلى توترات سياسية واسعة.

وعقب ذلك أصدرت السلطات التونسية مذكرات توقيف بحق نواب وسياسيين وأكاديميين، فيما لم تستطع الأحزاب المعارضة خوض الانتخابات النيابية.

وتقف تونس على شفا الهاوية، إذ خفضت الولايات المتحدة مساعداتها المالية للبلاد واشترطت تقديم الدعم في حالة عودة الرئيس سعيد من مسار حكم الفرد إلى الديمقراطية.

إضافة إلى ذلك، وقعت تونس في دوامة الحرب الروسية ضد أوكرانيا، حيث تضاعف سعر القمح أثناء جائحة كورونا، كما أصبحت هذه السلعة الاستراتيجية شحيحة، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود والسكر وزيت الطعام والأدوية.

وتنتظر تونس هذا العام استحقاق الانتخابات الرئاسية، حيث تغيب المؤشرات بتحقيق الشفافية والنزاهة، لا سيما في ظل الدستور الجديد الذي تم إقراره في يوليو 2022، ومقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسية الاستحقاقات النيابية والمحلية السابقة.

ورغم ذلك يعتقد بعض السياسيين في تونس، أن الاستحقاق الرئاسي لعام 2024، يمكن أن يكون حاسما باتجاه تغيير الأوضاع، لا سيما في ظل غياب حصيلة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية تذكر لسنوات حكم الرئيس الحالي قيس سعيد.

مصر

رغم التعثرات والإخفاقات التي شهدتها مصر طوال الـ13 عاما من عمر ثورة يناير، غير أنها بدأت تتخذ خلال الأعوام الثلاثة الماضية حزمة من الإجراءات قد تدفع بالأوضاع السياسية الداخلية إلى محصلة أفضل.

وفي سبتمبر 2021، أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي ضمت 4 محاور رئيسية وهي "محور الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق الإنسان للمرأة والطفل والشباب والأشخاص من ذوي الإعاقة، والتثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان".

وفي إبريل 2022، كلف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بإجراء حوار سياسي يتم تنظيمه تحت مظلة الأكاديمية الوطنية للتدريب (رسمية) بحيث يكون حوارا شاملا دون استثناء أو تمييز.

وتزامنت الدعوة الرئاسية للحوار الوطني آنذاك بإطلاق سراح عشرات السجناء بقرارات قضائية وعفو رئاسي، أبرزهم المعارضون يحيى حسين ومجدي قرقر والناشط اليساري حسام مؤنس والصحفي محمد صلاح وغيرهم.

وأجريت الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2023، إذ كان من المقرر أن تنتهي الولاية الثانية للرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي في 1 إبريل من عام 2024، وتبدأ الولاية الثالثة بعد فوزه في الانتخابات من بين 3 مرشحين بنسبة 89 بالمئة من أصوات الناخبين.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية